كتب رئيس التحرير خالد صادق
رغم أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفع شعار أمريكا أولاً، إلا أن رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو سُرعان ما أسقط هذا الشعار ورفع شعار "إسرائيل" أولاً قبل أي شيء، ف"إسرائيل" فوق الجميع بما فيها الإدارة الأمريكية حسب نتنياهو، وطالما أن المصلحة تقضي بالقيام بأي فعل لأجل "إسرائيل" فإنه لن يحول حائل دون القيام به، حتى لو اصطدم هذا الفعل برفضٍ أمريكي أو دوليّ.
كلنا سمعنا الإدارة الأمريكية وهي تحذر "إسرائيل" من غزو رفح والدخول إليها وأنه في حال القيام بذلك ستحدث مجازر مروعة، اليوم رفح أُبيدَت عن بكرة أبيها ومُسِحَت عن وجه الأرض والإدارة الأمريكية لم تفعلْ شيئًا ولم تحمِ رفح وسكانها وأكثر من مليون فلسطيني لجأوا إليها؛ ظناً منهم أنها منطقة آمنة ولن تستطيع "إسرائيل" دخولها بسبب الموقف الأمريكي والدولي الرافض لهذا الدخول، لكن "إسرائيل" فعلت فعلتها وارتكبت المجازر وشرّدت سكانها خارج المدينة واستولت عليها.
الإدارة الأمريكية لم تحتجّ على "إسرائيل" بغزوها لرفح، إنما كافأتها بميناء عائم على شاطيء بحر المحافظة الوسطى أُنشِىءَ خصيصاً لتخليص أربعة أسرى صهاينة لدى المقاومة، ورغم ارتكاب الاحتلال مجزرة مروّعة ضد المدنيين راح ضحيتها مئات الشهداء والجرحى إلا أن أمريكا باركت العملية وأثنت عليها واعترفت أنه كان لها دور في إنجاح هذه العملية، هذا حدث في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جو بايدن الذي كان على خلاف مع نتنياهو ووقف الأخير ضده في انتخابات الرئاسة الأمريكية حتى أسقطه؛ ليخلفه دونالد ترامب الصديق المقرب من نتنياهو والذي كان يراهن عليه وأنه سيدعمه بلا حدود وهذا ما حدث بالفعل ولا زال يحدث.
فعندما امتد العدوان الصهيوني على قطاع غزة لسنتين ولم تستطِع "إسرائيل" حسمها عسكرياً وتحقيق أهدافها وضجر العالم من سياسة القتل والإبادة الصهيونية الممنهجة ضد المدنيين الأبرياء، وأصبحت "إسرائيل" تعاني من عزلتها؛ أراد ترامب إنقاذ نتنياهو من نفسه وإنقاذ "إسرائيل" من عزلتها، حيث ما لم يستطِع نتنياهو تحقيقه في الحرب على قطاع غزة سيحققه له ترامب بما يُسمّى بالسلام وفق مفهومه! السلام الذي يستند على القوة والتهديد والبطش، السلام الذي سيصنع شرقَ أوسطٍ جديداً تكون فيه "إسرائيل" القوة الأعظم التي تتحكم به وتديره بالشراكة مع الإدارة الأمريكية.
فقد خرج علينا ترامب مطالبًا بالإفراج عن الجندي الصهيوني الذي يحمل الجنسية الأمريكية عيدان الكسندر، واستجابت حماس لطلبه بعد تدخل الوسطاء وكان المقابل إدخال كميات كبيرة من المساعدات لقطاع غزة المجوّع، لكن "إسرائيل" رفضت الامتثال لرغبة أمريكا وشدّدت الحصارَ على قطاع غزة إلى حدٍّ كبير دون أن تنبس الإدارة الأمريكية ببنت شفه، تبعها صفقة الإفراج عن الأسرى الصهاينة لدى المقاومة الفلسطينية مقابل أسرى فلسطينيين سيفرج عنهم الاحتلالُ من سجونه، حيث رفضت "إسرائيل" الإفراج عن مروان البرغوثي وأحمد سعدات وعبدالله البرغوثي وحسن سلامة وغيرهم، وأخذت أمريكا على عاتقها الإفراج عن مروان البرغوثي خارج الصفقة، وكالعادة رفضت "إسرائيل" وامتثلت أمريكا لرغبتها دون نقاش.
اليوم نحن أمام سيناريو جديد أكثر بشاعة، فبعدما تكررت العمليات العسكرية في رفح بفِعل المقاومة ضد جنود الاحتلال، طالبت الإدارة الأمريكية بخروج آمن للمقاتلين منها، وكانت "إسرائيل" تتحدث عن مقاتلي حماس بأن عددهم لا يتجاوز أصابع اليد، لكن عندما فوجئت بالعشرات منهم ما زالوا يقاومون من بين الركام ومن داخل الأنفاق فتحت شهيتها لتصفيتهم الواحد تلو الآخر رغم تعهُّد الإدارة الأمريكية بالخروج الآمن لهم، لكن أمريكا تواطأت مجددًا ولم تبذلْ جهداً أو ضغطاً على "إسرائيل" لتنفيذ تعهدها بالخروج الآمن للمقاومين، وتقوم "إسرائيل" حالياً بتصفيتهم الواحد تلو الآخر أو استسلامهم لها، فرغم الحصار والجوع والعطش إلا أنهم رفضوا الاستسلام وما زالوا مرابطين في ثغورهم، وكل ما فعله ترامب للوفاء بتعهدات أمريكا للوسطاء أن سأل نتنياهو أول أمس: "لماذا تقتلون عناصر حماس في رفح؟" ولم يتلقَّ إجابة من نتنياهو إنما تلقى أمراً بالتدخل الأمريكي لإسقاط تهم الفساد عنه ووعده ترامب بذلك.
يجب أن ندرك قيمتنا كفلسطينيين وعرب ومسلمين لدى أمريكا وألا نعوِّل عليها في شيء وألا نرفع من سقف آمالنا تجاهها؛ لأنها سوف تبقى منحازة كليّاً لإسرائيل؛ فمصالحهما مشتركة وأطماعهما واحدة.
"إسرائيل" أولاً وليس أمريكا يا ترامب
رأي الاستقلال


التعليقات : 0